فلسطين | إقتصاد

شركات توزيع الكهرباء تعرقل مشروعات الطاقة الشمسية في الضفة الغربية
الاقتصادي فلسطين
اقتصاد فلسطين
الاقتصادي- أريج - أنصار اطميزه- يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية تحديات كبيرة عند محاولتهم تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، لتقليل تكاليف الكهرباء واستخدام طاقة نظيفة ومتجددة، وذلك بسبب العراقيل التي تضعها الجهات المزودة للكهرباء.
قرر مجاهد حمايل، من بلدة بيتا في نابلس شمال الضفة الغربية، تركيب وحدات طاقة شمسية على سطح منزله؛ بهدف خفض فاتورة الكهرباء الشهرية التي تبلغ نحو 350 شيكلاً (97 دولاراً)، لكنّه تفاجأ برفض بلدية بيتا طلبه بحجة أن اسمه مدرج ضمن مشروع طاقة شمسية آخر لمسجد في الحي، رغم أن حمايل لا يمتلك المسجد وإنما سجل الطلب باسمه في إطار مشروع تمويل جماعي للطاقة الشمسية لصالح المسجد. وعلى الرغم من أن القانون لا يمنع إنشاء مشروع طاقة شمسية خاص، فإن البلدية رفضت طلبه.
في سياق مشابه، ما زال عبد الحافظ اسليمية، من بلدة إذنا جنوب غربي الخليل، يحاول منذ عامين تقديم طلب لتركيب وحدات طاقة شمسية على سطح منزله، لكنّ البلدية ترفض استقبال طلبات جديدة بحجة "استنفاد القدرة الاستيعابية للشبكة" (حتى تاريخ إجراء المقابلة في 5 آب/أغسطس 2024).
أما فؤاد (اسم مستعار)، من إحدى بلدات نابلس، فقد اضطر إلى تركيب نظام طاقة شمسية هجين مع بطاريات تخزين من دون موافقة البلدية، بعد رفضها طلبه للسبب ذاته. ويعتمد فؤاد على تخزين الطاقة الشمسية للاستخدام الذاتي من دون تصدير الفائض إلى الشبكة، ومع ذلك لا تزال البلدية ترسل له إنذارات بفصل الكهرباء ما لم يقم بإزالة النظام.
بيئة تشريعية مُقيِّدة
بسبب تراجع إيراداتها، توقفت شركات لتوزيع الكهرباء عن استقبال طلبات تراخيص نظام "صافي القياس"، الذي يُمكّن المستهلكين، مثل المصانع، من إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة لاستخدامها ذاتياً وبيع الفائض لشركة التوزيع. وقد تلقى مجلس تنظيم قطاع الكهرباء (مؤسسة حكومية غير وزارية تابعة لمجلس الوزراء)، عدة شكاوى من شركات التوزيع تتعلق بتأثير نظام صافي القياس في إيراداتها؛ ما دفع المجلس لعقد جلسات استماع لبحث آليات جديدة تحافظ على توازن المصالح بين شركات التوزيع، التي تعتمد على الكهرباء المشتراة من إسرائيل، والمصانع التي تحقق شبه اكتفاء ذاتي باستخدام الطاقة الشمسية.
وقال مدير دائرة التراخيص في مجلس تنظيم قطاع الكهرباء، قيس سمارة، إن المجلس يعمل على تعديل تعليمات نظام صافي القياس لضمان نسبة إيرادات عادلة لجميع الأطراف، مشيراً إلى انخفاض تكلفة تركيب وحدات الطاقة الشمسية من نحو ألفي دولار إلى 700 دولار لكل كيلوواط، ما زاد من الإقبال على هذا النظام.
ولم تقتصر قيود التراخيص على القطاع المنزلي، بل امتدت لتشمل مشروعات الطاقة الاستثمارية. وأكد مدير شركة قدرة لحلول الطاقة المتجددة، عبد الرحمن الهيجاوي، أن مشروعات شركته لتوليد الطاقة الشمسية -التي حققت 22 ميجاواط- كانت تطمح لتحقيق نتائج أكبر لولا القيود التي واجهتها، والتي تعرقل جذب الاستثمارات والتمويل لهذا القطاع. وأوضح الهيجاوي أن البيئة التشريعية غير مواتية لمشاريع الطاقة المتجددة؛ إذ تفرض أعباءً كبيرة على المطورين دون إلزام شركات التوزيع بتطبيق القوانين، واصفاً ذلك بالظلم.
كما أوضح الهيجاوي أن الشركات المنتجة للطاقة الشمسية تقدم أسعاراً تفضيلية أقل بنسبة 15 في المئة من أسعار الموردين الآخرين، لكن شركات التوزيع تتجاهل القوانين؛ ما يزيد من مخاطر الاستثمار في هذا المجال دون دعم حكومي واضح.
إضافة إلى ذلك، عزّزت الحكومة الفلسطينية من القيود على قطاع الطاقة الشمسية، فكانت شركة النقل الوطنية ملزمة بشراء الطاقة الشمسية من المطورين الفلسطينيين، بموجب قانون عام 2015، ولكنّ تعديلات قانونية صدرت عام 2022، منحت شركات التوزيع الحق في شراء الكهرباء مباشرة من المطورين؛ ما يجعل ترخيص المشروعات الاستثمارية وقدرتها الإنتاجية مرهونة بقرارات شركات التوزيع.
شكوك حول القدرة الاستيعابية
تتضارب المعلومات حول مدى دقة حسابات القدرة الاستيعابية للطاقة الشمسية على شبكات الكهرباء، وهي الحجة التي تقدمها شركات التوزيع لرفض تراخيص مشروعات الطاقة الشمسية. ولا تتوفر بيانات دقيقة عن هذه القدرة؛ إذ أشارت دراسة لمعهد "ماس" عام 2022، إلى وجود نقص في المعلومات والأبحاث المتعلقة بشبكات الكهرباء، وعدم دقة تقديرات القدرة الاستيعابية اللازمة لاستيعاب الطاقة المتجددة في الشبكات الحالية. هذا النقص يجعل من الصعب على المستثمرين تحديد التكاليف والعوائد بدقة. وتؤكد الدراسة -عبر مقابلات أجرتها مع سلطة الطاقة- أن البيانات المتاحة حول شبكة الكهرباء تفتقر إلى الموثوقية، خاصة في البلديات والهيئات المحلية التي توزع الكهرباء بنفسها.
ويضيف الباحث والاستشاري في مجال الطاقة المتجددة، ياسر الخالدي، أن غياب المعلومات حول القدرة الاستيعابية يُشكّل عائقاً؛ إذ يواجه المتقدمون بطلبات ترخيص مشروعات الطاقة الشمسية رفضاً، من دون توضيح الأسباب.
كما أشار ديوان الرقابة المالية والإدارية، في تقرير عام 2020، إلى غياب معايير واضحة لأسباب قبول أو رفض مشروعات الطاقة. وقد ترفض شركات التوزيع بعض الطلبات بحجة غياب الإمكانيات الفنية، ما يدفع المواطن للتوجه بشكوى إلى مجلس تنظيم قطاع الكهرباء. وخلص التقرير إلى أن نقص الشفافية في قبول المشروعات، وغياب معايير محددة وواضحة للقبول أو الرفض، قد يزيد من احتمال رفضها من قِبَل الهيئات المحلية دون وجود أسباب حقيقية؛ نظراً لأن قبول مشروعات جديدة للطاقة يعني تراجع إيرادات الهيئات من بيع الكهرباء.
وتؤكد وزارة الحكم المحلي أن 10 في المئة فقط من الهيئات المحلية لديها دراسات حول القدرة الاستيعابية لشبكاتها، في حين تعتمد النسبة الباقية على تقديرات مبدئية لقدراتها الاستيعابية، تتراوح بين 70 و80 في المئة.
صراع الإيرادات والقدرة الاستيعابية
في الوقت الذي تؤكد فيه شركات وهيئات توزيع الكهرباء أنها وصلت إلى حدود قدرتها الاستيعابية على الشبكات، يظهر سبب آخر مرتبط بانخفاض إيرادات هذه الشركات. وأوضح المهندس سمارة، أن شركات التوزيع أوقفت بعض مشروعات الطاقة مؤخراً، بناء على قرارات إدارية ترتبط بانخفاض إيرادات الشركات بسبب هذه المشروعات، مشيراً إلى عدم قانونية هذا الأمر. وبيّن سمارة أن هناك أسباباً فنية أخرى تتعلق بالقدرة الاستيعابية.
وحول الإجراءات القانونية المتخذة -من قبل مجلس تنظيم قطاع الكهرباء- بحق هذه الشركات، ذكر سمارة أن المجلس يتواصل مع الجهات الرسمية والحكومة لمعالجة هذه الانتهاكات، ويعمل على إصدار تعليمات جديدة بهذا الشأن.
ومن بين الأسباب غير الفنية الأخرى التي تؤدي إلى رفض طلبات مشروعات الطاقة الشمسية، أوضح نائب رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية، أيمن إسماعيل، أن العديد من البلديات والمجالس القروية تشترط على المستثمرين إشراكها في المشروع لتقديم التسهيلات اللازمة، وهو أمر يخالف القانون. وأضاف إسماعيل أن مسؤولية متابعة هذه المخالفات القانونية تقع على عاتق وزارة الحكم المحلي، وليست من مهام سلطة الطاقة.
فرص ضائعة
بالتوازي مع الحديث عن الطاقة المتجددة في فلسطين، لا بد من الإشارة إلى أن الاعتماد على الطاقة الشمسية يُعدّ خياراً لتخفيف التبعية لإسرائيل؛ نظرًا لاعتماد الأراضي الفلسطينية بشكل شبه كامل على الكهرباء المستوردة من شركة الكهرباء الإسرائيلية بنسبة تفوق 90 في المئة. هذا الواقع يعزز التبعية الاقتصادية، ويزيد من الأعباء على الحكومة الفلسطينية؛ إذ بلغت ديون الكهرباء المستحقة للجانب الإسرائيلي نحو مليار شيكل (ما يزيد على 350 مليون دولار) حتى آب/أغسطس 2024، وفق رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية ظافر ملحم.
علاوة على ذلك، تؤكد منسقة شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية، عبير البطمة، أن الاستغلال الأمثل للطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء سيسهم في الاستغناء عن الوقود الأحفوري الملوث للبيئة، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما يزيد من استقلالية التجمعات الفلسطينية التي تواجه قيوداً على شبكات الكهرباء.
أنجز هذا التقرير بدعم من أريج وينشر بالتعاون مع الاقتصادي