محررو الإستثمار
قصتنا انا وامي وخالتي البٌنه
كتب صلاح الطفي
امتزاج البن اليافعي بدم اليافعي امتزاج روحي حيث تغشاه نفحات قهوة البن اليافعي وهو في حضن أمه من بواكير الرضاعة ومن رحيق عناقيد المجاني يوم حملته أمه إلى الوادي بالمزبا (المهد) وعلقته بشجرة البن وقت المجاني حيث عناية أمه وفرحها بأختها البنه وقت المجاني قريب من فرحتها بابنها غاية مجانيها!
وقد كانت علاقة امهاتنا المزارعات بأختهن البنه علاقة حميمة تواكب مراحل نمو شجرتها سقي وتفاقد وعناية ورعاية وحماية ومن الغرس وحتى حصاد البن وتجفيفه ثم (جعره) وتسخينه!
وقد ادمنن امهاتنا قبلنا بكيف كأس البن اليافعي بأول (قوبة) قهوة كانت تبدأ بها امهاتنا صباحهن لرفع الرأس.
لم أنس تلقيم الجبنة (بوردة من البن اليافعي) ملئ كف أمي الحانية المحناه مرصعة بخلاصة البن اليافعي ثم لم ولن انس صوت الجبنة المميز بالقهقهة المفرحة حين كانت تصب لي أمي اول (قوبة قهوة) مصحوبة بعبارة تفاؤل وقت الفأل عند الصباح الباكر (ارفع رأسك وا صلاح بني)
كانت أمي تعتني بجبنة القهوة وتفصل لها قاعدة جميلة من القطن الملبس بالقماش ا(لمتلل المكرنش) ولكي تختمر فيها القهوة لدقائق كانت تجول الجبنة بمجولها الخاص مثلما كن يجولن الحريوه يوم زفافها!
ونعم بالنسبة لي: البنه هي رابع خالاتي الثلاث حليمة وسعدية وزينب اخوات امي سعود بنت علوي حسين الشرفي رحمهن الله ورحم خالي الراحل علي علوي وحفظ الله خالي صالح وبارك الله بخالتي البنه.
وهنا أورد في هذه القصة عظيم العلاقة الروحية المتفردة التي شبكتها خالتي البٌنه بروح أمي وهي في قمة عطاء حياتها وحتى هناك في برزخها، واجزم القول ان شجرة البن كانت بمثابة اختها الرابعة بل وأقرب المقربين إلى أمي (مثلنا) حب وحنان وقربى ولا ابالغ ان أمي ثملت بكيف البن اليافع إلى ما بعد كأس الثمالة!
والحمد لله فأمي المرحومة تحقق حلمها آخر العمر وهي تحدثني حديث الروح حيث كنت دائما أنصت إلى حديثها انصات المريد الروحي لحديث الروح للروح والكبد لفلذتها وسماتها ولونها وصورتها المطابقة!
وقبل عشر سنوات تفاجئني أمي وكأنها تخصني بسر عظيم عندما دعت كريمتي وناولتها مفاتيح مخزنتها الخاصة(الخلة) وقالت:
اخرجي لصلاح بني هديته!
وكانت المفاجأة!
ان الهدية كانت علبة (نيدو 2250 جرام) مملوءة حتى الثمالة ليس بالحليب الهولندي! بل بخلاصة تبر البن لصافي اليافع النقي!
بل زادة المفاجأة ان أمي تعمدت ان تأخذ العلبة من أختي وتناولني اياها بأيديها وهي تنظر لي كطفل صغير!
فتحت العلبة فنفثت عبير وشذا البن اليافعي وإذا انا في لحظة هيام سرى بروحي وطار على جناحي يمامة تطوف بروحي فوق ودبان البن اليافعي في رحلة برزخيه تفاني فيها المكان والزمان
حتى نبهتني أمي (بالصلاة على النبي) عندما شاهدتني في لحظة ذهول!
اللهم صلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
ثم فاجأتني بالسؤال إذا عرفت من وين هذا البن عرفت إنك صلاح بن سعود؟
وضحكت!
ولمعرفتي بأمي فهي من أكثر خلق الله إدمانا وحبا ومعرفة بالبن اليافعي وكان لنا عهيد وفيَ خبير بالبن اليافعي ربطتنا به علاقة وفاء وحب وتقدير واحترام أكثر من 60 عام وهو المرحوم الرجل الطيب الوقور الذي عرفناه (بعبد القادر السلطان) وهو عبد القادر بن محمد بن عمر بن حسين بن هرهرة الساكن وادي حمومة كان يعتني ويأتي لأمي بأفضل واجود البن اليافعي وكانت تهديه أمي السمن فوق الثمن عليهما رحمة الله.
ثم ان امي كانت تعرف وتميز البن ليس من اول نظرة بل من أول فبضة! حيث وشرطها الأول ان يكون البن ثقيل (بمعنى ان الصافي وزنه كبير)!
بعدما استعرضت على أمي كل أنواع البن اليافعي بدأ بالبن العيسائي!
إلا انها واصلت ابتسامتها وفي طيها إنك يا صلاح بني لا زلت طفل صغير في نظري!
ثم قالت خصيتك بهذه الطاسة وان شاء الله لن تنساها فقد قمت بتسخين البن بطريقتي التي تعرفونها رغم ان لي سنين أشرف على تسخين البن ولكن لم أسخن مباشرة إلا البن الذي بهذه الطاسة!
وبالمناسبة كنت اسمي قهوة امي (كوفي سعود) الذي مثله بالنسبة لي هو مثلها لن يعود رحمها الله!
ثم قالت والله لن تعرف قيمة (بن سعود) ولا دفعت لي عشرة ألف ريال سعود بهذه الطاسة!
وهنا بلغت أمي تحديها ولم تبالغ في هذا التعظيم للبن والتحدي لابنها فأنا اعرف أمي بطبيعتها لم تطلب من أي منا أبنائها الستة أي مبلغ محدد طول حياتها عليها رحمة الله!
وهنا بلغة تراجيديا القصة قمتها بهذا التحدي والتقدير الذي وقفت فيه طفلا مذهولا بين أمي وخالتي البنه!
كانت المفاجأة التي حلة العقدة إن هذا البن هو من أحب طين لأمي (دار الجربة) الكائنة في خاصرة ولدي (ذي علام) بقرية المصينعة إحدى قرى الطف المميزة!
وطين (دار الجربة) هي درة تاج نصيف نصيب والدي مع عمي عبد الله من تركة جدي عبد الرحمن رحمهم الله جميعا.
((وأما المفاجأة الكبر اقولها والله شاهد انني لم اعلم بها إلا ذلك اليوم الذي توجتني فيه أمي كأس البن اليافعي العظيم من جهة ووسمتني الغربة بميسم اهمال الأرض وعدم السؤال عنها ناهيكم عن تفقدها فقد أصبحنا غرباء في قرانا!))
أمي العصامية المزارعة اليافعية حققت حلمها العظيم الذي راودها منذ ان فشل اول غرس للبن العيسائي غرسه أبي فبل 60 عام في (دار الجربة)!
إلا ان أمي عاودت بعزيمتها وحبها وادمانها للقهوة اليافعية وغرست بنها بيدها تقريبا 11 شجرة بن رعتها لأكثر من 7 سنوات حتى اكتمل نمو شجرها وتم تمام ثمرها (وكأني بأمي ماتت قريرة العين إن اختها البنه أصبحت جزء من تاريخ أمي العظيم).
أمي خصتني بهديتها من شجرة البن الذي صبرت على عنايتها ورعايتها 7 سنوات مثل سنوات طفولتنا حتى كانت هذه الهدية المتوجة بحبها المختارة من خلاصة مجانيها والمعدة بيدها والمسخنة بطريقتها (كوفي سعود)!
ثم قالت وهي في قمة الرضا والنشوة والشعور بالتوفيق والنجاح:
من اليوم وإلى ما شاء الله ((بن دار الجربة يكفي لي ولكم)) ثم استطردت وقالت:
أما أني شوفوني اتخير لي من البن اليافعي ما يفي بكيفي، (كلمة كيفي من عندي)!!
وكذلك هو أنا صلاح الطفي من أكبر المدمنين على قهوة البن اليافعي في قريتي وفي غربتي حيث تلازمني القهوة ودلالها من بعد صلاة الصبح وعلى موائد الإفطار والغداء وحتى العشاء ويعرف اقاربي واعز أصدقائي ذلك عندما يعزموني فالقهوة مشروبي المفضل الأول والثاني وإلى السابع مكرر وهي بديل المشروبات الغازية وحتى زمان المشروبات الروحية ولله الحمد:
فلا اعرف الصهباء إلا باسمها ولم تمكر بي قط!
ختاما:
أتمنى أن نستعيد ويستعيد أبنائنا وبناتنا الاهتمام بخالتنا البٌنَه من جهة، وان يكون مهرجان المعرض الوطني الأول للبن مناسبة نحييها سنويا على طريق استعادة زخم حضور البن اليافعي على ارض يافع غرس وعناية ونماء وإلى العالمية على رأس تاج البن العالمي وليكن لنا كذلك درة على تاج الهوية!
قلت لأمي ما سر ادمانا الكبير للبن؟ فقالت:
كان ابوك الله يرحمه لا يرضى إلا بأفضل البن ولا يقبل القهوة إلا من ايد امك سعود! وهي تعتز بقهوتها وتبتسم لرسالة في طي ابتسامتها، وكان أبوك الله يرحمه يأخذ ويتخير أحسن بن يافع ويبيعه في الحد لأهل الفردة الذي كان متعهدهم الأول في تسويق البن و(الطعام) وكلمة طعام يطلقونها إخواننا أهل الحد على (الزنجبيل) مزاجا لقهوتهم المتميزة وبالمناسبة المثل اليافعي يقول: البن بيافع والقهوة بالحد!
ثم ختمت أمي اجابتها:
كان جدك علوي وجدتك عليا بنت احمد أبو طلعة الشرفي مدمنين قهوة البن اليافعي في بيتهم وحيث ما حل جدك علوي وارتحل وكان (مجزل البن ودلته) رفيق أسفاره حيث كان جدي علوي أسرع (مُكًتِبْ) يقطع المسافة بين يافع وعدن لإيصال الرسائل المهمة والامانات الثمينة بما عرف عنه من شهامة وشجاعة ونخوة ووفاء عليه رحمة الله.
يقلم / صلاح الطفي
24 يناير 2024م