Slider
أحمد عبدالملك سعيد الشيباني: مدرستي الكبرى في الإدارة والتجارة والوفاء

أحمد عبدالملك سعيد الشيباني: مدرستي الكبرى في الإدارة والتجارة والوفاء

بالفطرة وبدون القدرة على شرح تفاصيل التكوين وجدت في نفسي ملبوساً برغبة كبيرة في التحدث عن تجربتي المهنية في المجالين الإداري والتجاري ،  والتطرق بشكل مختصر لأهم نجاحاتي  والاحتفاظ بإخفاقاتي لنفسي، من منطلق رد الدين الكبير لمن ساهم في بناء هذا التكوين. 

 

في 1/08/1995 توظفت في إحدى شركات مجموعة العالمية، وهي شركة النادي اليمني للسياحة والسيارات كشركة ناشئة في العالمية - سادس شركة في المجموعة حينها- ، اذ كان عمري وقتها  لا يتجاوز21 عاما، فبعد تخرجي من الثانوية وتجاوزي للسنة الدراسية الأولى في كلية التجارة والاقتصاد قسم المحاسبة (جامعة صنعاء) ، تولدت لدي رغبة قوية في الحصول على  وظيفة اعتاش منها دون الاعتماد على غيري بمن فيهم والدي رحمة الله عليه ،على أن اقوم بإكمال دراستي الجامعية بالانتساب..

كان  لخالي ابراهيم شاهر الفضل الجميل في توظيفي، وقبل تسلمي الوظيفة بشكل رسمي في الشركة ، قابلت رجلاً ذا هيبة ووقار بغرض الموافقة النهائية على قبولي وحينما وجدني بهذا السن الصغير وجه لي سؤالاً :  هل أنت قادر على العمل كمندوب  للعالمية في جمرك حرض يا ابني؟  وكانت حرض وقتها منطقة نائية وكان العمل في النادي يتمثل في تسجيل دخول وخروج السيارات الداخلة للبلاد  وفق  نظام (التربتك) كنظام للإدخال المؤقت  لدخول السيارات التي تحمل لوحات خليجية كزيارة سياحية برية لليمن.(*)

وأضاف الرجل  يا ابني هذه وظيفة تحتاج الى جلد وصبر وحكمة في مواجهة الناس؛ فهل أنت قادر على القيام بذلك  ..؟!

 وبدون أي تردد قلت له  نعم أنا قادر على ذلك ، وبدون أخذ ورد  قال لي : اتوكل على الله واستكمل اجراءات توظيفك  .. أول تفسير لي لنظراته لي أنه كان يقول أنني قادر على تطويرك وبنائك لتصبح من ضمن قيادات مجموعة العالمية.

وبالفعل كانت نبوءته غير المصرح بها أو (المكتومة)  في محلها ، فبعد ثلاث سنوات ونيف من توظيفي  كلفني بالقيام بأعمال مدير عام شركة النادي اليمني للسياحة والسيارات، ثم بعد سنتين من هذا التكليف- أي بعد خمس سنوات من دخولي العالمية-  صرت مديرا عاما لكبرى أهم شركتين ناشئتين في المجموعة.

الغريب حينها  كنت أرى الأمر طبيعياً، ولكني  حين كبرت  وباستعراضي لشريط الذكريات الذي يلخص عملي الإداري والتجاري وجدت أن ما فعله هذا الرجل  ليس إلا شيئاً من نسج الخيال،  فما هذه المغامرة التي أقدم عليها في تعيين شاب في منتصف العشرينات مديراً عاماً  لكبرى شركتين صاعدتين في المجموعة ذائعة الصيت ؟؟  فتبين لي لاحقا  أنه وبفعل فراسته في التقييم البشري ، أنني لم أكن الوحيد من عمل معه ذلك بل كان إلى جانبي عشرون قائدا إدارياً تم بناءهم بنفس الكيفية.

بعد عشرين عاماً  من توظيفي وبالتحديد في تاريخ 17/7/2015 تم تكليفي  بالقيام  بمهام مدير عام مجموعة العالمية في ظل أكبر أزمه تعرضت لها بلادنا  وهي حرب 2015  التي لازلنا نعيش أوزارها حتى هذه اللحظة .. كنت حينها  أشعر بالفخر، بل وانتابني الغرور والانبهار  لأنني حظيت بهذا التكليف ،وأنه صار تحت إدارتي 15 شركة تقريباً ، وبعد مرور شهور فقط تبين لي أنه كان الى جانبي  12 قائدا إداريا  يديرون  شركات  المجموعة،  بل وإلى جانبهم  5 مدراء رفيعون  هم مدراء عموم الإدارات العامة التنظيمية للمجموعة  يشاركونني في  إدارة المجموعة وأنني لست سوى فرد  من ضمن عشرين قائداً إدارياً بناهم  الأستاذ علوان الشيباني ، وهم من قادوا شركات المجموعة في ظل ظروف الحرب الاستثنائية،  فجميع هؤلاء القادة كانت وظيفتهم الأولى في حياتهم العملية في مجموعة العالمية، البعض منهم كان حديث التخرج  من الجامعات ، والبعض ممن أنفق على تأهيلهم العلمي الأستاذ علوان.

هؤلاء الأشخاص اليوم هم من قاموا  بمضاعفة عدد شركات المجموعة لتصبح 22شركة ، ولا يستطيع أحد أن ينسب الفضل لنفسه في نهضة وبناء هذه المجموعة العملاقة،  لكنهم جميعاً يتفقون في أن الفضل في ذلك ، بعد الله، يعود للأستاذ علوان،  أو كما يحلو  لقادة المجموعة بتسميته العم علوان،  والى جانبه أخيه ورفيق دربه وشريكه التجاري  العم عمر محمد عمر يعقوب،  والذي كان لسلوكه القيادي وسعة صدره الأساس المتين الذي ساهم بشكل رئيسي في قيام هذه المجموعة العملاقة.

من خلال العودة إلى شريط ذكرياتي وبعدما  أنضجت السنون الطوال تجربتي في العمل  الإداري والمهني وصقلتها تبين لي وبشكل جلي أن  النهج والفطرة  الربانية للمربي الفاضل علوان الشيباني  ساهمت في هذا البناء البشري لمجموعة من القادة في المجال الإداري والتجاري.

وتبعاً لذلك يمكنني إجمال أهم المعايير  العامة التي اعتمد عليها المربي الفاضل بالآتي:

- التحفيز الإيجابي  ورفع المعنويات، إذ أصبح جميع قادة العالمية مساهمون في بعض الشركات الناشئة في  المجموعة، من خلال منحهم حصصا مجانية كتقدير  معنوي لهم ، وتحفيزهم على بذل المزيد من الجهود لتطوير الشركات التي يتولون  إدارتها ، وهذا من أهم الأسباب التي ساهمت في تطور المجموعة.

- التوجيه الأبوي و الإرشاد الهادئ الباعث للسلوك القيادي.

- منح  الثقة لصغار السن في توليً مناصب إدارية حساسة، والعمل على متابعتهم وتقويم سلوكياتهم.

- الاستمرار في متابعة كل الموظفين بمختلف درجاتهم الوظيفية، وخلق إحساس عند كل  فرد فيهم  بأنه أهم شخص ، وأن كافة شركات المجموعة معتمدة على جهوده ومثابراته وابتكاراته في نجاحها.

-  الفن في  إدارة الوقت وطريقة التنفيذ  للأعمال على كافة الأصعدة - الأسرية ، والصداقات الشخصية ، والأعمال الإدارية والمهنية ، والأعمال الخيرية - إذ كنا ومازلنا نندهش على كل ما يقوم به وبعناية؛ فهو يرد على كافة المكالمات التي تصل الى هاتفه سواء كل المتصل صغيراً أو كبيراً  شخصاً مهماً أو غير مهم، فبالنسبة له الجميع على قدر واحد من الأهمية.

- احترام المواعيد التي يحددها  مع الصغير والكبير دون استثناء ، إذ كنا نعتقد أننا صرنا من أهم الشخصيات بالنسبة إليه .ولكننا وبعد أن صرنا من كبار قادة المجموعة اكتشفنا أنه كان يعتذر أحياناً عن مقابلتنا بسبب ارتباطه بمواعيد أخرى  أكثر أهمية بالنسبة له وهي   مواعيد رتبها  مع موظفين عاديين من المراسلين والفراشين.

- البساطة  والتواضع،  إذ أنه يقدِّم الاحترام لأبسط الناس ويعطيهم أولوية قبل غيرهم من أصحاب الجاه والمراكز الهامة، إذ يستطيع كل شخص الوصول إليه هاتفياً أو مقابلته، فكان بعض كبار المدراء يتضايقون من ذلك، ويتساءلون كيف يقابل ويسمع من صغار  الموظفين ؟  وكان حين يسمع مثل هذه التساؤلات يرد علينا قائلا :  هذا واجبي النابع من إحساسي بالمسئولية المهنية والإدارية والأخلاقية تجاههم.

- الحزم والشدة في المواقف التي تتطلب ذلك،  إذ هو مدرسة الشدة والحزم اللينين،  فهو حين يشد أو يحسم أمراً  فيفعله بكل هدوء ، وهذه قدرات خاصة لا يتحلى بها كثيرون . حزمٌ وشدةٌ بابتسامة .. شيء لم نقرأ عنه في الكتب ولم نشاهده في تجربتنا  العملية على ربع قرن ، وأستطيع الجزم بأنه سلوك مغاير خصه الخالق لشخص علوان الشيباني .

- اعتماده على التدريب العملي في صناعة القادة أكثر من التدريب الأكاديمي والنظري،  إذ أنه يمارس التعليم سلوكا تشاهده أمامك وليس موعظة وشرح نظري ، وهنا أذكر بعض المواقف التي كنت مصراً فيها على اتخاذ بعض الخطوات التجارية، وكان يتمنع في الموافقة عليها ويشرح لي عدم صوابية ذلك ، ولكنه أمام إصراري  كان يوافق  على تنفيذها رغم علمه المسبق أنها غير صحيحة وسوف تحقق خسائر للشركة ، لكنه كان يمنحني الموافقة أنا وغيري فقط لنعلم أننا كنا على خطأ  فنتعلم درساً قاسياً ومكلفاً أيضاً.

- إيمانه بقدرة المرأة قيادة شركات المجموعة مثلها مثل إخوانها من الرجال، وبالفعل فقد وصلت نسبة عدد الموظفات في المجموعة إلى أكثر من 30% من العدد الكلي للموظفين  كما أن المرأة في مجموعة العالمية تقلدت مناصب قيادية كبيرة  في مواقع مدراء إدارات ومدراء عموم وكان لهن دورا بارزاً وحقيقياً في بناء وتطوير المجموعة.

- الوفاء  كسلوك إنساني ومنهج  إداري عند الرجل ، وهنا يتوجب التوقف عند نموذج شديد الدلالة  ففي لقاء معه استفسرت منه عن الإبقاء على بعض المدراء الذين تخسر شركاتهم   فصعقت بإجابته : إن هؤلاء الأشخاص عملوا معي لوقت طويل ولا يمكنني أن أفرط بهم وأخذلهم من أجل المال ، وأردف قائلا أخسر المال ولا أخسر وفائي وإحساسي بالراحة النفسية؛ هذا الموقف وحده غيّر تماماً الكثير من المفاهيم لدي وفتح أفقاً وطريقاً يوصل إلى الجانب الإنساني والسلوك البشري السوي.

 في إحدى  الأيام أوصلت له استفسار عامة الناس وقلت له  لماذا لا تتزوج وتنجب أبناء ذكورا وتكتفي بابنتيك التي خلفتهما منذ زمن طويل.. فرد عليا قائلا: أنا مكتف بهاتين البنتين وأراهما بأكثر من عشرين رجلا ، ولن أخذل زوجتي الإسبانية التي عاشت معي أكثر من خمسين عاما في ظل أسوأ الظروف ؛ تركت أهلها  وكافة مميزات الحياة الأوروبية  لتكون وفية معي.. هذه الإجابة بمدلولها الإنساني الكبير تحول إلى جوهر هذا المعلم الكبير.

* العمل الخيري والإنساني  أعتقد أن هذا الجانب تطرق له الجميع ولكني حبيت أن أتذكر موقفا  شخصيا  كنت فيه في خضم مشكلة كبيرة أحتاج للاجتماع به، ولكنه اعتذر لي بسبب ارتباطه بموعد ذي طابع خيري  فقلت له  تتركني وتعتذر لي من أجل هذا الأمر والذي كان  بإمكانك القيام به في وقت لاحق مقارنة بالأهمية والضرورة الملحة التي تتطلب اتخاذ قرار عاجل منك  إلا أنني تفاجأت برده  حين قال:  يا أحمد ينبغي أن تفهم أنت وغيرك أنني  أجد نفسي في العمل الخيري أكثر من أعمالكم التجارية ( التي هي أصلاً تخصه  بشكل مباشر)  ،واسترسل قائلا : لولا  أن  أعمالي التجارية  هي التي تمنحني القدرة على القيام بالأعمال الإنسانية  لتركتها وخصصت كل وقتي للأعمال الإنسانية.

هناك  الكثير والكثير جداً لقوله عن الرجل الكبير ومدرسته في الحياة،  وأكتفي بالخلاصة وهي أن  هناك مدرسة نوعية واستثنائية مثلت مصنعاً لتشكيل قادة  في مجال الإدارة والتجارة وفن إدارة الوقت، كل بنسب مختلفة وبحسب قدرة كل فرد من التحصيل من هذه المدرسة النوعية  .

وهنا أجد الفرصة للتأكيد  على الحمد والشكر لرب العالمين لأنني حظيت بفرصة النهل من مدرسة مجموعة العالمية  والمربيين الفاضلين علوان الشيباني  وعمر يعقوب.

_______________

 (*) كانت حينها خطوة جريئة لتنشيط السياحة البينية العربية الخليجية ، التي كان يظن الكثيرون  بعدم نجاحها  لوجود العديد من المعوقات ، بل وكان يراهن  الجميع على عدم خروج هذه السيارات بعد دخولها البلاد!!   ولكن إيمان رجل السياحة الأول في اليمن  بنجاح هذه التجربة كان شيئاً من الخيال عند غيره وحقيقة مؤكدة النجاح لدى الأستاذ علوان وبالفعل حققت هذه التجربة نجاحاً منقطع النظير وأصبحت تمثل السياحة الأولى في اليمن،  حيث سجل في أحد الأعوام  دخولاً للسيارات وصل عددها إلى أكثر من 150000 سيارة ، ومثَّل السواح من الجنسيات الخليجية  45% أي ما يقارب 67500 سائحا في حين لم يتجاوز عدد السواح الأوروبيين  15000  سائحا في السنة الواحدة.


طباعة   البريد الإلكتروني