Slider
مواجهة مع الفوضى:  بن بريك.. الرهان الأخير على الإصلاح  عبدالقوي العديني

مواجهة مع الفوضى: بن بريك.. الرهان الأخير على الإصلاح عبدالقوي العديني

مواجهة مع الفوضى: 

بن بريك.. الرهان الأخير على الإصلاح

 

عبدالقوي العديني

 

لسنواتٍ طويلة، ظلت الحكومات اليمنية المتعاقبة في عدن تدور في دائرةٍ مغلقة من القرارات المرتبكة والوعود المؤجلة، وسط غياب قائدٍ حكومي يمتلك الجرأة السياسية والإرادة الوطنية لفتح الملفات الثقيلة التي أثقلها الفساد وتنازعت عليها المصالح الضيقة. وبينما انشغل كثيرون بالمناورات والمساومات، كان الاقتصاد اليمني يترنح، ومؤسسات الدولة تُستنزف بصمتٍ مؤلم.

وفي خضم تلك المرحلة القاتمة، ظل البنك المركزي اليمني يخوض معركةً شرسة ضد الفوضى المالية والعبث النقدي، محاولًا الحفاظ على ما تبقى من توازنٍ اقتصادي وثقةٍ بالعملة الوطنية، رغم غياب الغطاء السياسي القوي الذي يُفترض أن يسانده في هذه المهمة الوطنية.

ومع تولي الأستاذ سالم بن بريك رئاسة الحكومة، تتجدد الثقة وتُفتح أمام اليمن فرصة حقيقية -وربما الأخيرة- لإعادة تصحيح المسار، وبناء الدولة على أسسٍ من الكفاءة والنزاهة والانضباط. فالرجل يأتي بخلفيةٍ ماليةٍ وإداريةٍ عميقة، وتجربةٍ راسخة في العمل المؤسسي، وسيرةٍ مشهودٍ لها بالشفافية والالتزام الوطني.

يمتاز "بن بريك" بهدوئه واتزانه، لكنه في الوقت ذاته يمتلك وعيًا عميقًا بتفاصيل المشهد الاقتصادي وتعقيداته، ما يجعله الرجل المناسب في الوقت المناسب لقيادة مشروع إصلاحٍ حقيقي. فالإصلاح بالنسبة له ليس شعارات تُرفع، بل ممارسات تُترجم وقرارات تُنفّذ وشجاعة تُختبر على أرض الواقع.

لقد لاقى تعيين بن بريك ترحيبًا واسعًا محليًا ودوليًا، وأبدى الأشقاء في التحالف العربي والمجتمع الدولي دعمهم الكامل له، إدراكًا لأهمية هذه المرحلة التاريخية التي تحتاج إلى قيادةٍ هادئةٍ وعمليةٍ قادرةٍ على تحقيق التوازن بين متطلبات الإصلاح واستحقاقات الواقع المعقد.

ويُجمع المراقبون على أن أول اختبارٍ حقيقي أمام حكومة بن بريك سيكون في قدرتها على مواجهة الفساد بشجاعة، بدءًا بإجراء تعديلٍ وزاري وإحالة أيادي الفساد التي عبثت كثيرًا، إلى القضاء، فقد آن الأوان لتطهير مؤسسات الدولة ووقف العبث، بما يمكّن من تحريك الموارد وضبط الإيرادات العامة وإعادتها إلى مسارها الصحيح. وهي خطوة أولى تمثل حجر الزاوية في بناء الاقتصاد الوطني واستعادة الثقة بالمؤسسات المالية للدولة.

إن إعادة الانضباط المالي والإداري إلى وظيفته وغايته خطواتٌ مبشّرة، تعزز مبدأ الشفافية في الموارد العامة، من خلال نشر تقارير دورية تُظهر بوضوح الجهات التي تلتزم بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، وتلك التي ماتزال خارجةً عن سلطة الدولة. فالإصلاح لا يكتمل إلا بالمكاشفة والمحاسبة.

وقد بدأت حكومة بن بريك خطواتها الأولى بثقةٍ وحكمة، عبر إعادة ترتيب الأولويات الوطنية وتوجيه الموارد نحو مشاريع التعافي والتنمية والبنية التحتية، إلى جانب إشراك القطاع الخاص كشريكٍ أساسي في مسار الإعمار وإحياء الدورة الاقتصادية.

إن اليمن اليوم بحاجةٍ إلى رجال دولةٍ حقيقيين يؤمنون بأن الوطن فوق الجميع، ويعملون بصمتٍ وإخلاصٍ بعيدًا عن الشعارات والمصالح الضيقة. والأستاذ سالم بن بريك يجسّد هذا النموذج بصدق؛ فهو مسؤولٌ يعمل بعقلية رجل دولة، لا بعقلية منصبٍ مؤقت، ويؤمن بأن النجاح الحقيقي يُقاس بما يتحقق على الأرض، لا بما يُقال في الخطابات.

ويمثل "بن بريك" بارقة أملٍ حقيقية لكل من يؤمن بإمكانية النهوض مجددًا من تحت ركام التحديات؛ فهو يدرك أن طريق الإصلاح شاق، لكنه الطريق الوحيد لإنقاذ الوطن وإعادة بناء مؤسساته على أسسٍ من النزاهة والكفاءة والمساءلة.

إنها لحظةٌ فارقة في تاريخ اليمن، وفرصة لا تحتمل التردد. فبقيادة رجلٍ وطنيٍ صادق، يمكن لليمن أن ينهض من جديد، ويستعيد مكانته كدولةٍ قويةٍ قادرةٍ على صناعة مستقبلٍ يليق بشعبها وتاريخها العريق.