محررو الإستثمار

استقرار سعر الصرف خطوه أولى نحو تحسين معيشة المواطنين
د. محمد علي ناصر
خلال الأيام الماضية، شهدت المناطق المحررة في اليمن انخفاضًا ملحوظًا في سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، وهو ما يُعد تطورًا إيجابيًا ومهمًا على الصعيد الاقتصادي. لم يقتصر تأثير هذا الانخفاض على سوق الصرافة فحسب، بل امتد ليلامس حياة المواطنين بشكل مباشر عبر انخفاض أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية.
هذا الانخفاض في سعر الصرف يمثل فرصة ثمينة لإعادة بناء الثقة في الاقتصاد الوطني، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وإنه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق استقرار اقتصادي شامل، وإن كان جزئيًا في الوقت الحالي، فالأمر يتطلب تكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص والمواطنين للحفاظ على هذا المكتسب والبناء عليه لمستقبل أفضل. إلا أن تحويله إلى استقرار دائم يتوقف على مجموعة من الإجراءات والمسؤوليات المشتركة:
يجب على البنك المركزي اليمني في عدن الاستمرار في سياسة ضخ العملة الصعبة عبر مزادات شفافة ومنظمة، وإدارة الكتلة النقدية المتداولة من الريال اليمني. هذا يساعد على امتصاص السيولة الزائدة من السوق ويقلل من الضغط على العملة المحلية.
يجب على الحكومة زيادة الإيرادات من خلال تفعيل الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، وتحسين آليات تحصيل الضرائب والجمارك، كلما زادت إيرادات الدولة بالعملة الصعبة، زادت قدرتها على التدخل في السوق للحفاظ على استقرار الصرف، كما يتطلب الأمر تفعيل الأجهزة الرقابية لمتابعة شركات الصرافة والمضاربين في السوق السوداء، ويجب على البنك المركزي وضع آليات صارمة ومتابعة حثيثة للحد من أي محاولات للتلاعب بسعر الصرف،
وعلى وزارة التجارة والصناعة تفع مسؤولية الرقابة الفعالة على الأسواق، اذ لا يمكن ترك تحديد الأسعار بشكل كامل للتجار، بل يجب وضع آليات لتسعير السلع الأساسية، وربطها بشكل مباشر بسعر الصرف،
ومن الضروري تشكيل فرق رقابية ميدانية في جميع المحافظات المحررة، للتأكد من أن التجار يلتزمون بالتسعيرات الجديدة، واتخاذ إجراءات رادعة ضد المخالفين والمتلاعبين.
كما يجب على الحكومة تسهيل إجراءات استيراد السلع الأساسية، وتقليل الرسوم الجمركية على المواد الغذائية، مما يقلل من تكلفة الاستيراد وينعكس إيجابًا على الأسعار النهائية، ويقع عليها دعم الزراعة والصناعة المحلية كجزء من الحل لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي حماية الأسعار من تقلبات سعر الصرف.
وفيما يتعلق بدور القطاع الخاص، يجب على التجار أن يكونوا جزءًا من الحل، من خلال خفض أسعار السلع بما يتناسب مع تحسن سعر الصرف، وعدم استغلال الأزمة لتحقيق أرباح غير مشروعة، وأن يتعاونوا مع وزارة الصناعة والتجارة، والجهات الرقابية الأخرى، لتسهيل مهمة ضبط الأسعار وتوفير السلع بأسعار عادلة، ويمكن للتجار الكبار توجيه جزء من استثماراتهم نحو الإنتاج المحلي، للمساهمة في بناء اقتصاد أكثر استدامة.
ولا يمكن للحكومة ان تقوم بمهمة استقرار الاسعار بمفردها بل تحتاج الى شريك قوي وفعال يتمثل في القطاع الخاص، ولكي يتمكن القطاع الخاص من أداء دوره بشكل كامل، يجب على الحكومة توفير بيئة داعمة عبر تبسيط الإجراءات، وتأمين البيئة الاستثمارية، وتسهيل الوصول الى التمويل بالإضافة الى تعزيز الشراكة الفعالة في مشاريع التنمية والبنية التحتية كما ان تفعيل دور المؤسسات المالية الدولية والمانحين هو خطوه أساسية أخرى في هذا الاتجاه.
إن استقرار سعر صرف العملة المحلية ليس مجرد إحصائية اقتصادية، بل هو بارقة أمل حقيقية وبداية لرحلة طويلة نحو التعافي الشامل، إن تحويل هذا التحسن المؤقت إلى استقرار دائم يتطلب جهداً مشتركاً ومستمراً، فعلى الحكومة أن تستمر في سياساتها النقدية، وأن تعمل بجدية على تفعيل الموارد وتأمين تدفقات العملة الصعبة. وفي المقابل، يجب على القطاع الخاص أن يكون شريكاً مسؤولاً من خلال خفض الأسعار والاستثمار في الإنتاج المحلي. أما المواطنون، فعليهم أن يكونوا جزءاً من الحل عبر الوعي والرقابة الإيجابية.
هذا التضافر بين جميع الأطراف هو السبيل الأنسب لضمان أن يكون هذا الاستقرار الاقتصادي قاطرة حقيقية تعيد الثقة وتفتح الباب أمام مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للجميع.