Slider
Previous Next

الكتابات الانطباعية تسهم في إشعال المضاربات بسعر الصرف!

د. يوسف سعيد أحمد

ظاهرة الآراء والمنشورات العاطفية والانطباعية بشأن تطور اتجاهات سعر الصرف المحتملة في المستقبل  في غياب مراكز الدراسات المالية المعنية، عدا عن عدم توفر القنوات الرسمية الشفافة المختصة بتقديم بيانات منتظمة ودقيقة بشأن متغيرات سعر الصرف في بلادنا، تبقى مشكلة كبيرة، لأن المعنيين والمتعاملين في سعر الصرف يحتاجون إلى معرفة القيمة الحقيقية للعملة واتجاهات تطور سعر الصرف اعتمادًا على معطيات اقتصادية سليمة وصحيحة.

هذا الفراغ الرسمي والمؤسسي

أدى ويؤدي إلى إثارة الشكوك وعدم اليقين لدى المتعاملين في سعر الصرف، عندما يتعلق الأمر بالمستقبل. ولذا الكتابات غير الحصيفة وتلك الساعية إلى اكتساب الشهرة تؤدي إلى إثارة حالة من التشويش على المتعاملين في سوق الصرف الأجنبي، ودفعهم إلى المزيد من عمليات المضاربة بحثًا عن سعر أفضل وعائد أكبر.

يحدث هذا في ظل بيئة اقتصادية وسياسية غير مواتية، أضحت معها شركات الصرافة المضاربة وتلك المعنية بتحديد سعر الصرف اليومية، تعتمد في توقعاتها على ما  ينشر من خلال هذه المنشورات التي تكتب في  وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى أخبار وإشاعات ومنشورات الكثير منها غير موضوعية، وهو الأمر الذي يثير الذعر في أوساط المتعاملين، ويرفع منسوب الإحباط والمخاوف بشأن المستقبل عند المعنيين بسوق الصرف، ولدى المواطنين على حد سواء، مما يزيد الضغوط في الطلب على الدولار والريال السعودي في سوق الصرف الأجنبي بهدف التحوط أو الادخار للحفاظ على ما بحوزتهم من سيولة، وبالتالي إحداث المزيد من المضاربات.

وهناك بعض الأثرياء الجدد الذين جنوا موارد ضخمة في ظروف الحرب وغياب الاستقرار، أثبتت التطورات أنهم يندفعون بشدة وعشوائية مع كل اضطراب شديد في سعر الصرف، لغسل الأموال، بهدف تهريب هذه الأموال إلى البلدان المتساهلة في استقبال هذه الأموال في  الخارج، وإن بطرق غير مشروعة.

وهكذا تتدحرج كرة الثلج بفعل هذه الكتابات غير الحصيفة وغير المسؤولة، تدعمها عوامل مثل ضعف إنفاذ القانون وبيئة اقتصادية غير مواتية، بخاصة مع غياب الحكومة ومجلس الرئاسة عن العاصمة عدن.. مما يولد المزيد من التداعيات، وفي النتيجة إلحاق ضرر بالغ في قيمة العملة يضاعف من معاناة الناس المعيشة عبر استمرار التراجع والتدهور في سعر الصرف.

في هذا السياق، هناك من يكتب بشكل انطباعي، ويسقط رؤيته الشخصية من أن أسعار الصرف قد تصل في المستقبل إلى مستويات دول أخرى في المنطقة، شهدت انهيارات في أسعار عملاتها، مما يرفع من وتيرة  المضاربة. هؤلاء في كتاباتهم الانطباعية يتناسون أن اليمن لها ظروف مختلفة، ولا يأخذون بعين الاعتبار الأسباب والظروف والعوامل الاقتصادية الحاكمة في كل دولة، وليس هناك وجاهة للمقارنة.

في اليمن، تحديدًا في مناطق الشرعية، تدخل البلاد عملات دولية بشكل مستمر، ليس كاستثمارات جديدة، ولكن لتمويل رواتب عدد من الوحدات العسكرية، وبأحجام كبيرة، بالإضافة إلى تحويلات المغتربين، كما أن الحرب الاقتصادية من بين الأسباب التي ترفع الطلب على العملات الدولية، وهذه لها طبيعة محلية. كما أن الدول الإقليمية المانحة الداعمة لليمن،

 بما في ذلك المؤسسات الدولية والإقليمية، لن تترك الأوضاع تأخذ مسارها السلبي إلى ما لا نهاية، وهذا يجب أن يكون مفهومًا.

هناك تفهم فعلًا لدى هذه الجهات بأهمية وضرورة تقديم الدعم، ولكن في الوقت المناسب. غير أن هذه الجهات مازالت تحث الحكومة والدولة اليمنية على استمرار متابعة عملية الإصلاحات الاقتصادية، واستغلال الموارد والاحتياطات المالية غير المستغلة حتى الآن، في نطاق المصادر المحلية، كون هذه الموارد المستدامة تمثل الحل الأمثل لمواجهة الأزمة الاقتصادية عند المقارنة بالدعم الخارجي الذي آثاره مؤقتة.

عدم المسارعة في تقديم الدعم المالي مرده أنها ترى أنه مازال لدى البلاد موارد لم تستغل أو تورد بالكامل لحساب الحكومة في البنك المركزي، سواء تلك التي تدخل في نطاق  الضرائب والرسوم الجمركية العامة، أو موارد الهيئات والمؤسسات العامة، والتي للأسف لاتزال بعضها لا تورد مواردها إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، بما في ذلك مواردها بالعملة الصعبة.

وقد تعتقد الجهات التمويلية أن هناك بعض التهاون في توريد هذه الموارد العامة السيادية كلها بدون استثناء. وتطالب بإعادة هيكلة الإنفاق العام وفقًا الأولويات، وتعتقد أيضًا أن الحكومة بسبب العديد من الثقوب، تهدر استخدام مصادر الدعم الخارجي، عدا عن مطالبة الحكومة بالقضاء على مصادر الفساد، ومع ذلك، وللإنصاف، فقد قطعت الحكومة شوطًا كبيرًا في تنفيذ مطالب الجهات المانحة، ولذلك نتوقع في ضوء هذه المعطيات أن يكون هناك دعم قوي في المستقبل القريب.

في هذا السياق، كان من أبرز الثقوب الذي يؤدي إلى تسرب الدعم، يتمثل في استمرار الحكومة بشراء الطاقة، والتي كبدت الدولة موارد ضخمة بالعملة الصعبة، ووفرت مداخل كبيرة للفساد، عدا عن عدم الاستخدام الكفء للدعم الخارجي والموارد المحلية.

لكن حسنًا ما فعله رئيس مجلس الوزراء الدكتور بن مبارك مؤخرًا عندما وجه أول من أمس بوقف شراء الطاقة من القطاع الخاص.

هنا يتعين على المؤسسة العامة للكهرباء سد الفجوة التي ستنشأ عبر الاستخدام الأمثل والكفء للطاقة الحكومية المتاحة المتوفرة حاليًا، والإسراع في صيانة المحطات الكهربائية المتوقفة، مثل المحطة القطرية، وزيادة توليد الطاقة من المحطات القائمة، والتي باتت لعوامل كثيرة تستغل بربع أو ثلث طاقتها المتاحة فقط، إذ إن شراء الطاقة كان يوفر حافزًا قويًا لعدم الاستغلال الكامل لطاقة المحطات الكهربائية الحكومية المنتجة، والذي بإمكانه أن يوفر الطاقة الإنتاجية الكافية تقريبًا إذا توفرت المدخلات المنتظمة دون الحاجة إلى شراء الطاقة التي كبدت الموازنة العامة للدولة مليارات الدولارات منذ بدء الاستعانة بالقطاع الخاص لتوفير الطاقة.

وأخيرًا، وعودة إلى الموضوع، فإننا نحث المسؤولين في البنوك وشركات الصرافة، على ألا يتأثروا في سلوكهم ونظرتهم للمستقبل بما يكتب وينشر في وسائل التواصل، حول توقع اتجاهات تطور أسعار الصرف، وعليهم استقاء معلوماتهم من البنك المركزي كمصدر رسمي.

وإذا أرادوا معلومات كرافد جديد أيضًا، إضافة إلى المصادر الرسمية، فإن عليهم أن يعملوا على تمويل تأسيس مراكز دراسات مالية خاصة، أو دعم مركز الدراسات في جامعة عدن، كي تسهم في توفير المعلومة وبموثوقية عالية لهذه الجهات. الأهم ألا يبقى سلوكهم متأثرًا بالإشاعة، وبما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي.

19 فبراير 2025


طباعة   البريد الإلكتروني