Slider
خياران لا ثالث لهما

خياران لا ثالث لهما

باسم فضل الشعبي

منذ ما بعد ثورة فبراير 2011 دخلت اليمن منعطفًا خطيرًا، لأن الثورة تم السطو عليها، وقادتها الحقيقيون أقصوا بوسائل قذرة وعديدة، وكان من الطبيعي أن يستمر الصراع بعد الثورة على السلطة والمال والثروات والنفوذ، لأن القوى التي سطت على حلم اليمنيين في التغيير والبناء، لم تكن مؤهلة لإدارة المرحلة، لأنه لم يكن لديها مشروع وطني جامع، وإنما أطماع وتطلعات في الحصول على مكاسب سلطوية ومالية، لذلك رأينا التسابق على الوظيفة والمناصب والمؤسسات والهيئات الإيرادية، لممارسة الفساد والإفساد والنهب بصورة أفظع مما كان عليه الأمر قبل الثورة، تسابق على الإثراء غير المشروع وعلى الهدم لما كان قائمًا من مشاريع ومؤسسات وبنية ومكتسبات تخص الشعب اليمني.

نعم، تحقق شعار يسقط يسقط النظام، بدليل ما كان قائمًا من قوانين وأجهزة رقابة وسلطة قضائية وعدلية قد سقطت، فحلت الفوضى في كل شيء، وكان الفراغ الكبير الذي أنتجته الفوضى وغياب سلطة القانون الذي أضعف فاعلية النظام القديم الجديد، قد فتح الباب مشرعًا أمام كارثة اجتياح صنعاء من قبل الحوثيين، ثم حدوث الحرب الدموية التي وصلت إلى عدن في الجنوب وشبوة في الشرق والحديدة في الغرب وغيرها من المدن والمحافظات اليمنية الأخرى، ربما تكون هناك مفاعيل خارجية دعمت الحرب وهيأت لها، لكن هذا لم يكن ليحدث لولا هشاشة وفوضوية سلطة هادي والأحزاب والقوى المتحالفة معه.

ومن اللائق القول أيضًا إن ما حدث منذ ما بعد تحرير عدن والمناطق المحررة في يوليو 2015، لم يكن مختلفًا عما سبق، فقد استمرت الفوضى والصراع الغبي بين قوى الشرعية، وكانت النتيجة هي الكارثة المرعبة التي يعيشها البلد اليوم رغم تغيير الحكومات وتوسيع الشراكة، إلا أن ذلك لم يأتِ بشيء مفيد لصالح المواطن، بل استمر الوضع في التردي وتناسل الأزمات الخدمية والاقتصادية والأمنية واستشراء الفساد بصورة لم يسبق لها مثيل، فبدلًا من أن تتنافس الأحزاب والمكونات والمجالس عبر وزرائها ومسؤوليها في الحكومة والمجلس الرئاسي، على تقديم البرامج وتحقيق الإصلاحات والتغيير إلى الأفضل، نجدهم يتنافسون على من يفسد أكثر، ومن يهدم أكثر، ومن يدمر شعبه أكثر، ليفوز بالجائزة والمكافأة المغرية المرصودة والمقدمة من الخارج.

لقد ماتت التنمية في العاصمة عدن والمناطق المحررة، ليس من غياب التمويل أو المال، فهناك قروض، وهناك منح خارجية بملايين الدولارات، وهناك إيرادات الدولة الضخمة، لكننا لم نرَ مشروعًا حكوميًا يعتد به أو يستحق الذكر إلا ما نراه من مشاريع مقدمة من دول التحالف، وهي في الواقع مشاريع صغيرة ومتوسطة ونادرة تندرج ضمن الدعم الإنساني، وليس التنموي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الفساد والفشل فحسب، بل وصل الأمر إلى مضايقة الناس في المرتبات المقطوعة وغير المنتظمة، وفي الارتفاع الجنوني للأسعار وإيجارات العقارات التي راكمت الأعباء على المواطنين بصورة خطيرة تهدد بكوارث كبيرة لا سمح الله.

ويمكن التطرق هنا إلى أن أحد المسؤولين تساءل ذات مرة عن كيفية تمكن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح من الحفاظ على عجلة التنمية وبناء المدارس والجامعات وشق الطرق وغيرها من المشاريع، والحفاظ أيضًا على رواتب الموظفين دون انقطاع، بل إنه كان يدفع من راتبين للموظف أيام المناسبات والأعياد الدينية أو في شهر رمضان، بينما عجزت حكومة الشرعية، وهي تحكم عددًا محدودًا من المحافظات والسكان، عن إقامة مثل تلك المشاريع، أو في الانتظام والالتزام بدفع رواتب الموظفين. نحن لا نمتدح زمن صالح، ولكن الذين جاؤوا بعده من الثورجيين والمتسلقين، جعلوا الناس تترحم عليه، ويتمنون أن تعود أيام حكمه لليمن.

الوضع خطير في البلاد، والشرعية ومجالسها وأحزابها فشلت فشلًا ذريعًا على كافة المستويات عسكريًا واقتصاديًا وتنمويًا وإداريًا وسياسيًا، وأصبح الآن أمامها خيارين لا ثالث لهما، إما القبول بطبخة السلام والحل الذي يعد بعيدًا عنها ويراد منها أن تبصم وتوقع عليه، وبالتالي تسلم الأمور للحوثيين، وتتحول إلى مجرد موظفين وجنود لديه وتحت مظلته، وإما إصلاح أوضاعها وتحريك الجبهات لانتزاع انتصارات تمكنها من أن تكون رقمًا صعبًا وحاضرًا بقوة على طاولة المفاوضات، وتفرض شروطها ورؤيتها للتسوية وللدولة القادمة في اليمن وشكلها ومضمونها، غير كذا سيلتمهما الحوثي، وسوف يلتهم معها حاضر ومستقبل اليمنيين بدعم إقليمي وخارجي، والله من وراء القصد.

 

رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام


طباعة   البريد الإلكتروني