Slider
إصلاح السياسات اليمنية

إصلاح السياسات اليمنية

عبدالقوي العديني

التكنولوجيا تنجح في صناعة التغيير لشعوب العالم الثالث، وللدول التي اشتهرت بيئتها بالفساد؛ هذا واقع لا رجعة عنه، وسيفرض حتمًا.

السنوات القادمة حافلة وواعدة، وسنشهد فيها الكثير من الإصلاحات والخدمات التكنولوجية الواسعة لحل الكثير من القضايا والتعقيدات الخدمية، وكان حلها يبدو ضربا من ضروب الخيال.

نحن أمام تغيير سريع يعم العالم، بما فيها الدول الممانعة التي مازالت خارج ثورة التكنولوجيا والتحول الرقمي.

في الماضي كان المثقفون والسياسيون ينشئون الأحزاب لصناعة التغيير وتطوير الحياة العامة، ويثورون على السياسات التي كانت سائدة في تلك الحقب، ولكن بأيديولوجيات معظمها لم تقدم أي جديد عدا تغيير مسمى نظام الحكم.

بالأمس القريب الأحزاب وحدها من كان يقود الرأي العام، أما اليوم فإن تطبيقًا أو منصة تواصل كفيلة بصناعة الرأي العام وقيادته، بل تغيير أنظمة وحكومات!

المبدعون والمبتكرون وأصحاب المشاريع الريادية هم قادة التغيير، وهم من سيصحح الإدارة ويرسم لها مسارًا آخر نزيهًا وشفافًا، وهم من سيجتثون الفساد، ويصلحون الاقتصاد بأعمالهم الإبداعية، وبالتطبيقات الخدمية، وبالنوافذ الذكية التي تقدم للمواطنين بنزاهة غير مسبوقة على مدار التاريخ.

وكما عُرفت الأحزاب السياسية في البلاد الأوروبية وغيرها، فقد عُرفت أيضًا في البلاد العربية، وانتشرت فيها أملًا في تطوير المجتمعات بحسب البرامج السياسية والنظريات المعلنة، وللوصول إلى الحكم، وتولِّي السلطة، لكن التاريخ الحديث لم يكتب قصة نجاح مكتملة، فالأنظمة العربية - وخصوصًا الأنظمة الجمهورية- قد ترعرع فيها الفساد واستشرى، وتدهورت الخدمات، وتراكمت الخيبات بالقيادات المتوالية على الحكم، واتسمت هذه الأنظمة وتلك بالفساد والعجز في صناعة التغيير وحل مشكلة الإدارة التي تعد المشكلة الأولى، ويعاني منها دول العالم الثالث برمته، فشلت أيضًا في إصلاح الاقتصاد على كافة المستويات.

لذلك على كل من هو في موقع القرار ويتولى مسؤولية أمام التاريخ، أن يسترجع من الذاكرة أسماء وصور من سبقه في تولي المنصب الذي يديره الآن، وأن يضع لنفسه بصمة تخلده للأجيال، وأن يكون له دور في استعادة الدولة بالشكل اللائق والحضاري، وسيحكى مستقبلًا أنه رائد البناء المؤسسي وإصلاح الإدارة وتمكين التكنولوجيا وأتمتة المؤسسات ورقمنة الخدمات، وأن بطلها الحقيقي في اليمن أو في هذه المدينة أو تلك، فلان من الناس، والعاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من اتعظ بنفسه.

بمعنى أوضح، في هذه المرحلة مكنوا التكنولوجيا والمشاريع الريادية والخدمات الرقمية المتخصصة والتحول الرقمي، من تطوير العمل المؤسسي، وتسهيل الخدمات، وسيحسب ذلك لكم، وسيشكل هذا القرار حجر الزاوية لمكافحة الفساد إذا ما توفرت الإرادة وترجمت إلى فعل على أرض الواقع، كونها ترتبط ارتباطًا عضويًا بخطة الإصلاح والتعافي بشكل منهجي وتدريجي، وستخلدون.

طموحنا كبير في أن ينهض اليمن الجريح من تحت ركام الحرب، وأن يتحول إلى بلد مواكب ومتقدم في مجال الخدمات الرقمية، وأن تكون عدن مركزًا إقليميًا لريادة الأعمال والاستثمار والسياحة. فاليمنيون يستحقون خدمات أفضل، تقدمها أدوات رقمية مرنة وفرص ومجالات الاستثمار تتطلب تسهيل الخدمات وتبسيطها بنزاهة وشفافية.

لقد كنت دومًا على يقين أن الخروج من الأزمات المتراكمة يمرُّ من خلال دعم الإدارة العامة وعصرنتها وتحديثها، خصوصًا ونحن نجد الكثير من الجهات الحكومية ترفض تمكين التكنلوجيا من تطوير أبسط الخدمات الإلكترونية في الجهات التي يتولاها مسؤولون فاسدون؛ ونحن اليوم أمام فرصة عظيمة ليست محل خلاف لتطوير الحياة العامة، وما علينا إلا أن نضع أقدامنا في بداية الطريق؛ طريق طويل يستلزم استنهاض مختلف مكونات الدولة وقطاعاتها، لنصل معًا إلى اقتصاد رقمي فاعل وناجع، وإلى مجتمع رقمي دامج وبناء. وبإذن الله سيحمل الآتي من الأيام بوادر أمل بالخروج من الأزمات الخانقة التي نمر بها، والانطلاق في عملية النهوض الذي نستحقه.

رب سائل عن الجدوى الآنية من مطالبة حكومة الدكتور معين عبدالملك بإطلاق استراتيجية طموحة للتحول الرقمي في هذه الفترة؛ والبلد مازال يعاني ويواجه الكثير من التحديات، ولماذا في هذا الوقت بالذات؟

نحن لا نفقد الأمل بالمستقبل. والقدرة على النهوض من الأزمات الحادة التي تعصف ببلدنا الحبيب. بدء باعتماد رؤية استراتيجية شاملة وبرامج ومشاريع محددة الأهداف لدعم الإدارة العامة في تأدية دورها.

مبادرةَ التحول الرقمي يجب أن تحتل أولويات حكومتنِا، لأنها تشكّلُ حجرَ زاوية في مسيرة التقدم المنشودة، وترتبط ارتباطًا عضويًا بخطط الإصلاح والتعافي المعلنة من قبل الحكومة.

ووسط الاستحقاقات المتنوعة التي يراهن عليها بلدُنا المثخن بالجراح، نتمسك أكثر من أي وقت بالاستحقاق الإصلاحي، حيث يمثّلُ تبني استراتيجية التحول الرقمي جواز عبور إلى نمو اقتصادي من نوع مختلف، ويسهم اعتمادُها في إعادة شرايين الحياة إلى الإدارة العامة ومختلف القطاعات.

لذلك، لا بدّ لنا من الالتحاق سريعًا بالعصر الرقمي، وإن أي تأخير إضافي في هذا المسار يشكّلُ يضاعف التحديات أمام أي توجهات إصلاحية للحكومة وخططها المحتملة في قادم الأيام والهادفة إلى إنهاض البلد، وإلى إعادة الثقة.

من المؤشرات التي ستقود البلد إلى وضع أفضل في حالة الإسراع بتمكين التحول الرقمي والمشاريع الريادية لتنمية المجتمع.. تعزيز التنمية الاقتصادية؛ كونها المُحرك الرئيسي لتحقيق التنمية المستدامة، إذ سيؤدي النمو الاقتصادي المستدام إلى توفير فرص عمل، وتوليد وزيادة الدخل، مما سيعزز من قدرة الدولة على تطوير البنية الأساسية اللازمة لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، ورفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإتاحة ورفع مستوى الخدمات اللازمة لحياة المواطنين لتحسين مستوى معيشتهم، وتمكينهم من الاستمرار في دعم عملية التنمية الاقتصادية، وتوفير حياة تتسم بالرخاء والاستدامة للجميع.

الأهم من ذلك، هو أن التحول الرقمي سيؤدى إلى الحد من الفساد والرشوة، وميكنة جهات الدولة وربطها إلكترونيًا سيؤدي إلى تسهيل إجراءات المعاملات، وسرعة صدور الأحكام في حالات التقاضي لتحقيق العدالة، وكلها عوامل محفزة لجذب الاستثمار، وأيضًا سيسهم التحول الرقمي في حصر السيطرة على ممتلكات الدولة، وإعادة توجيه استخدامها لخدمة التحول إلى الحياة الرقمية.

 

مجلة الاستثمار: ديسمبر/ 2022


طباعة   البريد الإلكتروني