بقلم: معاذ عبد الواحد الصبري – نقيب المحاسبين – رئيس مركز المستشارين اليمنيين
في ظل التدهور الحاد والمستمر في سعر صرف الريال اليمني، برزت ظاهرة اعتماد كثير من التجار على عملة أجنبية مستقرة
(كالريال السعودي أو الدولار) كـ"عملة وظيفية" في أنظمتهم المحاسبية، سواء في تسجيل الإيرادات والتكاليف أو في تسعير السلع. وبين من يرى فيها ضرورة مهنية واقتصادية لحماية النشاط التجاري، ومن يعتبرها أداة استغلال ممنهجة للمستهلك، تنشأ تساؤلات جوهرية: أين تنتهي المشروعية المحاسبية وأين يبدأ الاحتكار المقنّع؟
فإن هذا التوجه بات ضرورة محاسبية لدى بعض التجار بهدف حماية رأس المال وضمان استقرار تسعير المنتجات. حيث يقوم التاجر بتحويل جميع التكاليف – سواء الثابتة أو المتغيرة – من العملة المحلية إلى العملة الأجنبية التي أصبحت تمثل العملة المرجعية لنشاطه التجاري. وعلى هذا الأساس، يتم تحديد هامش الربح وإضافة جميع المصاريف التشغيلية ليتم تسعير السلع بالعملة الأجنبية.
ويقوم كثير من التجار فعليًا بتحويل كل التكاليف الثابتة والمتغيرة (شراء، نقل، جمرك، تشغيل) إلى الريال السعودي مثلًا، ثم تحديد هامش ربح، ليتم احتساب السعر النهائي بالعملة الأجنبية. فإذا كانت تكلفة السلعة 100 ريال سعودي، وأضيفت مصاريف بـ20 ريالًا وربح بـ20 ريالًا، يكون السعر النهائي 140 ريالًا سعوديًا — ثابتًا في نظر التاجر، بغض النظر عن تغيرات سعر الصرف المحلي وفي حالة البيع واستلام قيمة السلعة بالعملة المحلية يتم ضرب المبلغ بالعملة الأجنبية في سعر صرف السائد وقت البيع سوى كان انخفاض او ارتفاع.
وبناءً عليه، فإن التاجر الذي حدد مسبقًا هامش ربحه بالعملة الأجنبية قد ضمن تحقيق الربح، سواء صعد سعر الصرف أو هبط، دون الحاجة إلى تعديله عند كل تغير. وهذا الأسلوب، وإن بدا محاسبيًا مبررًا، يضع على التاجر مسؤولية الالتزام بسعر البيع الثابت الذي حدده مسبقًا، لكن الواقع يُظهر أن بعض التجار:
- يرفعون السعر إذا انخفض الريال اليمني، بحجة "تعويض الخسائر".
- لا يخفضون السعر إذا تحسن سعر الصرف، مدعين "تثبيت الأسعار لاحقاً".
- يُحمّلون المستهلك تكاليف مضارباتهم في سوق الصرف.
ومن هنا، نؤكد – كمختصين في مهنة المحاسبة – أن استخدام العملة الوظيفية المستقرة في التسعير ليس بالأمر الخاطئ، بل قد يكون ضرورة مهنية لحماية رأس المال في اقتصاد غير مستقر. إلا أن الأهم من ذلك هو الشفافية والالتزام بالممارسات العادلة في التسعير، واحترام حقوق المستهلك، ومنع استخدام سعر الصرف كذريعة غير مبررة لرفع الأسعار في كل حين.
وقد أشار نقيب المحاسبين اليمنيين، معاذ عبد الواحد الصبري، إلى أن استخدام العملة الوظيفية ليس خطأً في حد ذاته، ولكن الأهم هو الشفافية والالتزام بالممارسات العادلة في التسعير.
حلول مقترحة لتحقيق التوازن وضبط السوق دون خنق التجارة:
حتى لا يتحول استخدام العملة الوظيفية من وسيلة استقرار إلى سلاح ضد المواطن، فإن الحلول يجب أن تكون عملية ومتوازنة، منها:
- إلزام الإفصاح الكامل: على التاجر أن يوضح للمستهلك هيكل السعر بشكل شفاف (تكلفة، مصاريف، هامش ربح).
- تحديد هوامش أرباح عادلة: في السلع الأساسية، يمكن للدولة — كما فعلت دول مثل لبنان — تحديد نسبة ربح قصوى.
- رقابة ميدانية فعالة: عبر فرق من وزارتي الصناعة والمالية وجمعيات حماية المستهلك، لا تنتظر الشكاوى، بل تبادر بالتحقق.
- مشاركة المجتمع المدني: تمكين المستهلك من التبليغ عن التجاوزات عبر منصات توثيق الأسعار، مع حماية المبلغين.
- إصدار أدلة مهنية استرشادية: من قِبل نقابة المحاسبين لتنظيم استخدام العملة الوظيفية ضمن معايير مهنية وأخلاقية.
- تنظيم البنك المركزي لسياسات الصرف: بوضع إرشادات تتعلق بتعاملات السوق المحلية مع العملات الأجنبية، بما يضبط العلاقة بين السعر الرسمي والممارسات الفعلية.
خاتمة: التسعير مسؤولية وطنية
إن اعتماد العملة الوظيفية لا يجب أن يكون عذرًا للتربح المفرط ولا وسيلة لتبرير الجشع. بل هو إجراء محاسبي ينبغي أن يُطبّق ضمن إطار قانوني وأخلاقي يحفظ حقوق جميع الأطراف. فبينما نُقدّر حاجة التاجر للاستقرار، فإننا نُذكّر أن احترام المستهلك وحماية السوق من الفوضى هما جزء أصيل من نجاح أي نشاط تجاري — خاصة في بلد يعاني من الحرب والفقر وانعدام الثقة.
الهدف ليس معاقبة التجار، بل ضمان أن تكون هذه الآلية أداة لاستقرار السوق، وليس سلاحاً ضد القدرة الشرائية للمواطن الذي يعاني أصلاً من تبعات الحرب والانهيار الاقتصادي.